ودراسة المتن تتنوع في علوم التشريع الإسلامي إلى نوعين أيضاً، هما: تحقيق المتن، ودلالة المتن.
1- دراسة تحقيق المتن: وتدور حول التأكد من سلامة المضمون، الذي تحتويه ألفاظ النص، من أن يكون قد وقع فيه الخطأ والتحريف، في الزيادة والنقصان والتغيير والتبديل وما شاكلها.
2- دراسة دلالة المتن: وتدور حول معرفة معنى النص.
تحقيق المتن
في القرآن:
ففي القرآن الكريم حيث وصلنا سالماً من الزيادة والنقصان -كما تقدم- يدور البحث حول النقطتين التاليتين:
1- حول ضبط كلماته والتأكد من عدم وقوع الخطأ أو التحريف فيها بسبب الاستنساخ أو الطباعة.
2- حول تعيين الصحيح أو الأصح من وجوه القراءات المختلفة في بعض آياته الكريمة، والتي تتدخل في تغيير المعنى الذي تحمله الآية، كما في الآية التالية:
"يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن"، حيث قرئت عبارة "يطهرن" بالتخفيف، الذي يعطي ظهورها في معنى النقاء من دم الحيض، وبالتشديد الذي يعطي ظهورها في معنى الاغتسال من الحيض.
وهذا الاختلاف بين القراءتين، يكون مدعاة بطبيعة الاختلاف بين الظهورين المذكورين، إلى الإختلاف في استفادة حكم وطئ المرأة بعد النقاء من دم الحيض وقبل اغتسالها عن الحيض.
فعلى قراءة التخفيف، يستفاد جواز الوطئ قبل الغسل.
وعلى قراءة التشديد، يستفاد المنع من الوطئ قبل الغسل.
في الحديث:
أما في السنة الشريفة، فلابد من البحث عن روايات الحديث المختلفة، وشتى نسخه في المدونات والكتب المخطوطة على اختلافها، أو المطبوعة على اختلاف طبعاتها، ومقارنة بعضها ببعض، حتى ينتهي إلى الصحيح منها أو الأصح، متى كان الاختلاف في متن الحديث يتدخل في اختلاف الحكم، كما في الحديث التالي:
"من جدد قبراً أو مثل مثالاً، فقد خرج عن الإسلام".
فقد روي "من جدد" بالجيم المعجمة، ويعني: تجديد القبر بعد اندراسه.
وروي "من حدد" بالحاء المهملة، ويعني: تسنيم القبر.
وروي "من خدد" بالخاء المعجمة، ويعني: شقّ القبر.
وروي "من جدث" بالجيم المعجمة من أوله، والثاء الثلاثية من آخره، ويعني: جعل القبر المدفون فيه ميّت قبراً لميّت آخر.
فإن كل واحد من هذه المعاني المذكورة يتدخل في تحديد معنى الحكم.
وكما في الحديث التالي: "..قلت: ويسيل عليّ ماء المطر أرى فيه التغيّر، وأرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليّ وينتضح عليّ منه والبيت يتوضأ على سطحه فيكف على ثيابنا؟ قال عليه السلام: ما بذا بأس، لا تغسله، كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر".
هكذا نقل هذا الحديث الشريف في بعض نسخ كتاب الكافين ونقل في نسخ كتاب الكافي الأخرى، وكتاب الحدائق الناضرة وكتاب وسائل الشيعة هكذا: "قلت: ويسيل عليّ من ماء المطر.. الخ".
فإن ما يعطيه الحديث حسب النقل الأول، هو أن ماء المطر أخذ يقطر على الرجل، وما يعطيه الحديث حسب النقل الثاني هو أن ماء المطر أخذ يسيل على الرجل ويجري من الميزاب عليه.
وهما معنيان مختلفان نشآ من ذكر "من" في الحديث وعدم ذكرها.
دلالة المتن
فيما تقدم من الغرض لدراسة المتن، رأينا فرقاً تاماً بين القرآن والحديث، وكذلك في دراسة تحقيق المتن، رأينا بعض الفرق بينهما.
أمّا هنا، أعني في دراسة المتن، فلا يفترقان، لا في مجال الدراسة ولا في جوانبها.
وتنوع دراسة دلالة المتن إلى نوعين، هما: دراسة النص ودراسة الظاهر، وذلك لأن الألفاظ -بطبيعتها- قد تكون نصاً في معانيها، وقد تكون ظاهرة فيها.
والنص: هو اللفظ الذي يدل على معنى واحد فقط ولا تحتمل دلالته على معنى آخر.
والظاهر: هو اللفظ الذي يدل على أكثر من معنى واحد، إلا أن دلالته على أحد معانيه من دلالته على المعاني الأخر.