لم يكن من المعلوم أن وزارة الثقافة والإعلام قد عيّنت امرأة في منصب استشاري حتى بدأت المذيعة ميسون أبو بكر في التعريف بنفسها في كل محفل ثقافي، وفي كل حوار صحفي كمستشارة وزارة الثقافة. وأنا في الحقيقة لا أفهم لماذا لم تعلن الوزارة عن هذا التعيين وحرمتنا بالتالي من الاحتفال بهذا الحدث والمباركة لميسون، فإننا كمثقفات سعوديات ليثلج صدورنا أن تصل امرأة إلى هذه المكانة الرفيعة، حتى وإن كانت غير سعودية!.
ويأتي هذا التعيين ليُمكّن ميسون من إضافة لقب جديد لقائمة ألقابها التي جعلت صحفي في مجلة (الحوار) يُقيّم مشوارها قائلاً: إنها قد « اعتلت سلم المجد»، وآخر من صحيفة (الرأي العام) يصف مشوارها بأنه «رحلة إبداع وتألق وثقافة عالية»، ولِمَ لا وهي الكاتبة، والصحفية، والأديبة، والقاصة، والشاعرة التي تكتب القصيدة الشعرية «بكافة أنواعها»، والمذيعة، والإعلامية، ومعدة البرامج، وعضو الصحفيين السعوديين، والناشطة الثقافية على المستوى العربي. (ربما قصدت معدة برنامج، ونشيطة ثقافياً)؟.
ثم إن هذا التعيين يأتي أيضاً ليفسر أموراً كثيرة كانت تدور في الأذهان، إذ تظهر ميسون أبو بكر في كل حدث ثقافي على أنها إعلامية تغطي الحدث، لكنها تفاجئ الجميع بجلوسها في مقدمة صفوف المثقفات، كونها شاعرة كما أظن، ثم تسارع في الظهور أمام راعي الحدث الثقافي وتقوم بالسلام عليه قبل بعض الحاضرات وعوضاً عن بعضهن، ثم تظهر صورتها في صدر صفحات الثقافة الصحفية وهي تصافح وكأنها الممثلة الرسمية لهن. والأكثر من ذلك أنها كإعلامية تُفتح لها الأبواب المغلقة في وجوه باقي المثقفات السعوديات، ولا زلت أذكر التجمع الثقافي لمعرض الكتاب الأخير حين تمكنت بشكل أثار التعجب من مرافقة الوفد الثقافي في استقبال صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض دون باقي المثقفات السعوديات اللواتي احتشد بهن الفندق. وفي نفس الليلة كانت هي الحاضرة الوحيدة الممثلة للمثقفة السعودية المُغيّبة في احتفال جائزة الملك فيصل، ثم عادت بعدها للانضمام للمثقفات في الإيوان الثقافي.
لا عجب إذاً في ظل هذا التعيين أن تُوفد ميسون أبو بكر دون غيرها من الإعلاميات، مرة تلو الآخرى، بل في كل مرة، لمواكبة الأعراس الثقافية السعودية في داخل وخارج المملكة. فبعد مشاركتها في ملتقى نادي تبوك الثقافي بالحضور، انطلقت إلى باريس التي شهدت الاحتفاء بجائزة الملك عبدالله للترجمة، ثم وصلت إلى قطر على وجه السرعة لتلحق بالوفد السعودي المشارك بأيامه الثقافية في احتفالات الدوحة عاصمة الثقافة العربية. وهي في كل مكان تتقدم الوفد الرسمي وتصافح وتتحدث مع أصحاب الشأن وبلسان المثقفة السعودية المغيّبة. وفي هذا السياق، تقول ميسون: « استضافني التلفزيون المغربي وقناة (روتانا)، والتلفزيون اليمني، ثم التلفزيون البلجيكي، للحديث عن الحركة الثقافية النسائية في المملكة العربية السعودية»!!
على الصعيد المحلي، حين قدم قسم الطالبات في جامعة فهد بن سلطان يوم الأربعاء الموافق 5 مايو 2010 ندوة عن دور المرأة السعودية وإنجازاتها وقدرتها على تحقيق النجاح بالإدارة، كانت ميسون متحدثة ضمن الوفد الإعلامي المرافق لوزير الإعلام، وحين نظم منتدى الجمعة الثقافي بالرياض لقاءً إعلامياً جاءت ميسون لتسرد تجربة المرأة والإعلام السعودي.. ولما افتتح المقر النسائي لصحيفة رسالة الجامعة بجامعة الملك سعود بعليشة شاركت ميسون في ندوة تحت عنوان (الإعلامية السعودية بين الواقع والمأمول) وتناولت حياتها مع الإعلام والعقبات التي واجهتها.
وفي الخارج دُعيت ميسون من وزارة الثقافة الجزائرية للمشاركة في عكاظية الشعر العربي في الجزائر كالشاعرة الوحيدة من السعودية، وتوالى خروجها باسم الثقافة السعودية في بلاد كثيرة كما تقول: «مشاركاتي في الأسابيع الثقافية السعودية مع وزارة الثقافة والإعلام السعودية في الجزائر وفي مهرجان المسرح الكويتي ومهرجان الفجيرة المسرحي ومؤتمرات مؤسسة الفكر العربي، وسوق عكاظ، وملتقى أبها الثقافي، وأشارك في الكثير من المؤتمرات والمؤسسات والمنتديات الثقافية والفكرية، مثل منتدى الفكر العربي مع سمو الأمير الحسن بن طلال، ومؤسسة الفكر العربي مع سمو الأمير خالد الفيصل، وفي مؤسسة البابطين للإبداع الشعري مع الشيخ عبدالعزيز البابطين». وتُوّج هذا النشاط، (أو هو المجد)، بتكريم صحيفة الشروق اليومي الجزائرية لها كمذيعة بالتلفزيون السعودي.
وبعد كل هذا الانتشار الداخلي والخارجي، ليس مستغرباً أن جاء تعيين ميسون كمستشارة لوزارة الثقافة والإعلام، فالمستشارة كانت وما زالت المتحدث الرسمي للثقافة في عقر دار الإعلام، وهي العنصر المهيمن على برامج التغطية الثقافية.. فكلما بدأت دورة تلفزيونية جديدة، تتقدم ميسون ببرنامجها الأوحد لتعطيه اسماً جديداً، ثم يأتي الخبر في الصحف أن البرنامج الجديد سيأتي «في حلة جديدة» و «في إطلالة جديدة»، لكننا نصعق حين نجد أن الشيء الوحيد الجديد هو الديكور، وأن عبقرية ميسون في الإبقاء على المضمون تحت مسمى جديد لا حدود لها، فمن «مرافئ» على القناة الأولى، إلى « أِشرعة» على الإخبارية، ومن «ستون دقيقة ثقافة وفن» على الأولى، إلى «المقهى الثقافي» على الثقافية، يظل المحتوى على حاله: فقرات لا تخرج عن قراءة أهم أخبار الثقافة، ثم محاورة الضيوف، ثم تلك الفقرة الأهم، فقرة التلميع الذاتي التي تُظهر فيها ميسون مواهبها الإلقائية للشعر على طريقة الفيديو كليب.
أما على القناة الثقافية فحدث ولا حرج، فقد امتدت المساحة الزمنية المُعطاة لميسون إلى ساعة ونصف الساعة يومياً في سابقة لم يحظ بها عتاولة الإعلام، ومساحة استوديو تكفي لثلاثة برامج، فهي تلقي علينا الأخبار من وسط سياج حديقة بلاستيكية، ثم تنتقل إلى صالون الاستقبال لتحاور الضيف، ثم نرى جزءاً من المكتبة، وفي الخلف نادل يعد المشروبات. وهذا الأخير ضروري، إذ لا يصح أن يظهر العصير وكأنه فعل ساحر، بل يحتم الواقع أن نرى النادل وهو يخلط العصائر رؤية العين. وكانت فقرة الإلقاء تتم داخل الإستوديو على مدى خمس دقائق على الأقل تقرأ خلالها ميسون شعراً تنتقيه بنفسها وتتمثله بينما تجول الكاميرا على ملامح وجهها وتتفرس عينيها وأنفها ووجنتيها وشفتيها ببطء شديد. أما في الثقافية، حيث الوقت أطول والمساحة المتاحة أوسع، فإن ميسون تترك الإستوديو الكبير، لتتجول في الهواء الطلق، داخل حدائق حقيقية، وبجانب أمواج الشواطئ، وصوتها يتغنى بالشعر على طريقة (الفيديو كليب)، مما يتيح للكاميرا التقاط صور كاملة لها من كل زاوية. ورغم هذا التكرار في محتوى البرنامج الأوحد صاحب الأسماء المتعددة، ورغم أن بسام المفلح، ومنى الخلف، ووائل المالكي يشاركونها الإعداد ويقومون لها بالبحث والتنظيم، إلا أن ميسون تتفآخر في لقاءاتها الصحفية ببرامج «عديدة ومتنوعة» تقوم بإعدادها (جميعاً) وحدها، وبأنها « أول امرأة في السعودية، تقدم وتعدّ وتشرف على برنامج ثقافي أدبي». كيف لا تكون هذه المرأة، وبعد كل تلك الأوّلات، أول مستشارة للثقافة (أيضاً)؟.
وبعد أن أحكمت ميسون قبضتها على نشاط الإعلام الثقافي للنساء في التلفزيون السعودي، تتحرك بآلياتها الإعلامية لاحتلال الواجهة الثقافية النسائية، فتمسكها بالأدب والشعر يجعل مهمتها وأجندتها الإعلامية مزدوجة.
تقول ميسون: «دخلت الإعلام كأديبة مثقفة وبرامجي بحمد الله خرجت من النطاق المحلي إلى العربي والعالمي حيث التقيت من خلالها بمجموعة من الشعراء، والمثقفين، ووزراء الثقافة العرب، وأصحاب المؤسسات الفكرية والثقافية، والعديد من المستشرقين الأجانب»! وبعد كل هذا الترحال والتجوال والتعرف والتعريف وتوسيع شبكات الاتصال والتواصل، لُقّبت ميسونة « بسفيرة وزارة الثقافة السعودية».
فقط لو أن الوزارة أعلنت هذا التعيين على الملأ لكنا أخرسنا أسئلتنا المتزايدة عن موقع ميسون أبو بكر في المنظومة الثقافية الإعلامية، ولما أشكل علينا الأمر حين رأيناها مرة تلو الآخرى تنضم لصفوف المثقفات في ظلام القاعات المنغلقة، ثم تشق تلك الصفوف وتخرج إلى النور ليكون لها وحدها حضوراً طاغياً يؤهلها للتحدث عنهن وبلسانهن؛ فتصبح هي صاحبة التجربة الأوسع والأهم في تاريخ الإعلام الثقافي السعودي. لو عرفنا لما قلّبنا الأمر على كل وجه لنعرف لماذا تنفرد هي وحدها بالشأن الثقافي في جميع القنوات الفضائية السعودية، وتظل تحمل من قناة إلى أخرى مرافئها وأشرعتها ودقائقها الستين لترسيها مؤخراً في مقهاها الثقافي!.
ما ورد أعلاه ليس حسداً ولا غيرة، فكل ذلك كان نتيجة الجهل بالتعيين المخفي، أما وقد عرفنا من المذيعة ميسون طبيعة عملها، فلا يسعنا سوى أن نهنئها ونهنئ أنفسنا على وجودها أمامنا وفي مقدمتنا: ميسون أبو بكر هي هبة الله للمثقفات السعوديات اللواتي يقبعن في مواقعهن الرديفة يراقبن الأحداث الثقافية من خلف السواتر وعلى شاشات الدوائر المغلقة، بينما تنطلق هي لتحاور كل المعنيين بالشأن الثقافي، وتجالسهم عياناً بياناً على القنوات الثقافية السعودية، وتسارع للقائهم وتعريفهم بنفسها: مستشارة وزارة الثقافة السعودية! ... بطل العجب.
***