الإلهام الإسلامي في التكوين الحضاري الإنساني
التكوين الحضاري للإنسانية تم ويتواصل نتيجة عمل تراكمي للأجناس البشرية كافة، فلا يمكن لأمة أو جنس الادعاء بأن ما تحقق من تطور حضاري بأنه جهد تختص به تلك الأمة أو ذلك الجنس، إذ ما نتمتع به من نتاج حضاري هو نتاج لجهد جامع وشامل لكل الأمم بماضيها تلك التي انقرضت أو تضاءل تأثيرها، إلا أن إسهامها لا تزال شواهده باقية على شكل آثار أو تراث علمي وثقافي وفكري يتعامل معه الوجدان والعقل الإنساني إلى يومنا الحاضر ويرتكز عليه الكثير من المسلمات العلمية والفلسفية والثقافية والفكرية.
وللحضارة الإنسانية أوجه وصور عدة والأمم الحية التي لها إسهامات في التكوين التراكمي للحضارة تحرص على تدوين وتطوير هذه الإسهامات التي تعد تراثاً غنياً لابد من التذكير به والحفاظ عليه، وكون المسلمون لهم تميز وإسهامات حضارية لا يمكن نكرانها كالبناء العلمي الرياضي من خلال وضع المعادلات الرياضية والحسابات الجبرية واللوغوترامية، والإضافات الطبية لابن سينا وغيره من العلماء إضافة إلى البحوث الفلسفية لابن رشد والفارابي وعلوم الاجتماع لابن خلدون وغيره.
هذا التراث الفكري والعلمي والفلسفي مثبت في المراجع العلمية والكتب التاريخية، إلا أن التراث والإسهام الحضاري الذي ينتصب شاهدا على الإسهام الحضاري الإسلامي، هو التراث العمراني الذي يتحدث وبكثير من الشموخ في أماكن عدة عن هذا الإبداع الإسلامي سواء في أوروبا أو آسيا وإفريقيا، إذ تظل الشواهد العمرانية التاريخية في إسبانيا حيث قصور أشبيلية وغرناطة بانوراما عمرانية إسلامية لا يضاهيها في الإبداع والتفوق إلا ما هو موجود في الهند كتحفة تاج محل أو قصور السلاطين في المغرب أو بلاد فارس وخلفاء بني عثمان والمماليك في مصر إضافة إلى تميز العمارة الإسلامية المعاصرة والتي تتجلى في المنشآت التي أُخذت تُشاهد وبخاصة في بلدان الخليج العربية كناطحات السحاب والأبراج والملاعب الرياضية وحتى القناطر والجسور. وهنا تكمن أهمية المناقشات والأبحاث التي تشهدها مدينة الرياض من خلال انعقاد المؤتمر الدولي للتراث العمراني في الدول الإسلامية والذي يعد تحركاً علمياً وعملياً للفت أنظار العالم، وخصوصاً المهتمين بهذا الضرب من الحضارة، لبذل مزيد من الاهتمام بهذا التراث كونه يعكس جانباً مضيئاً وطبيعياً للمسيرة الإنسانية.
***