(كان الاجتماع الأخير لاتحاد كرة القدم والذي تم عقده الأسبوع الماضي تأريخياً) هكذا وصفه كثيرون..
وإذا كنا سنصف كل اجتماع لاتحاد الكرة يحدث تحولا ما.. أو تغييرا في خارطة الكرة لدينا.. أو نظاما بأنه "تاريخي" فإن معظم اجتماعات الاتحاد تاريخية خاصة في السنوات الأخيرة ومنذ أكثر من ثلاثين عاما.. ونحن نشهد بين فترة وأخرى اجتماعا تاريخيا!
وهذا يعني أن كرة القدم لدينا تتطور وتسير نحو الأفضل بخطوات متسارعة مستفيدة من تجارب الآخرين
فقبل 35 عاما وفي بدايات عهد الأمير فيصل بن فهد يرحمه الله كان القرار التاريخي وصفا وصفة عندما تم تصنيف الأندية إلى درجات ثلاث ممتازة..أولى.. ثانية.. وإقامة الدوري على مستوى المملكة بثمانية أندية تم زيادتها فيما بعد إلى عشرة ثم إلى اثني عشر فريقا وبقيت كذلك ما يقارب ثلاثين عاما ثم جاء القرار التاريخي فعلا.. بتطبيق الاحتراف وعودة اللاعب الأجنبي للمرة الثالثة (الأولى في البدايات والثانية مع بدء الدوري الممتاز) وإقرار المربع الذهبي (دوري خادم الحرمين الشريفين) ومسابقة كأس ولي العهد ثم العودة بالدوري إلى نظامه السابق وإحداث مسابقة كأس خادم الحرمين الشريفين للأندية الأبطال.. وما بين هذه وتلك إنشاء هيئة دوري المحترفين.. وتخصيص الدوري.. والنقل التلفزيوني.. الخ!
هذه التحولات التي حدثت في السنوات الأخيرة مثل هيئة المحترفين، اللاعبين الأجانب، النقل التلفزيوني، تخصيص الدوري، لائحة الاحتراف... وغيرها.. الخ. تؤكد أن اتحاد الكرة في سباق مع الزمن لتطوير آلية العمل فيه وتحديث برامجه وخططه.. لكن كثيرين ــ وللأسف ــ خاصة ممن هم بعيدون عن المجال الرياضي لا يدركون أهمية ذلك أو يشعرون به.. لأنهم ربطوا التطوير والعمل بنتائج المنتخب. واعتبروا أن عدم التأهل لكأس العالم.. أو عدم الفوز ببطولة قارية دليل فشل ومقياس اختبار للعمل وهذا غير صحيح! فالنتائج لم تكن كذلك في يوم من الأيام صحيح أن الفوز وتحقيق البطولات هو نتاج التخطيط السليم في كثير من الأحيان.. ونتاج العمل أيضا! لكن عدم الفوز لا يلغي الإنجاز، بل إن الفوز في بعض الأحيان يكون سببا في التعتيم على الأخطاء ومداراتها.. أو عدم الكشف عنها.
ومن هنا فإن تقييمنا لأي منتج.. أو عمل يجب ألا يكون مرتبطا بالنتائج في الميدان الكروي بقدر ما ننظر إليه كمنظومة متكاملة.. ومن خلال نظرة عامة.. تأتي فيها النتائج كأحد حقول التقييم لكنها ليست الحقل الأساس
والحقيقة أن كثيرا من التحولات الكبرى التي صاحبت كرة القدم السعودية حدثت في العقد الأخير وتحديدا السنوات العشر الأخيرة، وهي الفترة التي تولى فيها الأمير سلطان بن فهد ونائبه الأمير نواف قيادة الحركة الرياضية في المملكة..بعد أن وضع الأمير فيصل بن فهد لبناتها الأساسية وأسهم في تطويرها والسير بها نحو العالمية.. حيث مثل الأمير نواف دور الرئيس أو المدير التنفيذي لكثير من برامجها في هذه المرحلة والراسم لسياسة هذه البرامج ومتابعتها بإشراف وتوجيه مباشر من الأمير سلطان.
اجتماع الأسبوع الماضي وصفه كثيرون بأنه "تاريخي" كونه أقر زيادة عدد أندية دوري المحترفين إلى 14 ناديا، والأولى 16 والثانية 20 ناديا. ونسي هؤلاء أو فات عليهم قرارات أخرى ذات أهمية بالغة صدرت عن الاجتماع دون تعليق منهم عليها.. أو إشارة لها.. بما في ذلك وسائل الإعلام ــ وللأسف ــ التي ركزت على خبر الزيادة دون أن تطرح موضوعا كهذا للنقاش.. والمداولة لآلية التطبيق وما يترتب عليها... الخ. فإلى جانب زيادة عدد الأندية.. صدر عن الاجتماع العديد من القرارات.. لعل من أبرزها وأهمها في نظري أربعة :
ــ تكليف الأمير نواف بن فيصل بإعادة تشكيل لجان الاتحاد..
ــ اعتماد مسابقة كأس الأمير فيصل تحت سن 21 سنة..
ــ تقليص عدد الحكام الأجانب من 5 مباريات إلى 4 لكل ناد (بنسبة %20)
ــ إقرار آلية لمعاقبة (الخارجين عن النص).. والذين يسيئون للروح الرياضية... الخ.
ــ تقليص عدد لاعبي الفريق الأول المحترفين إلى 30 لاعبا لكل ناد..
لجان الاتحاد:
إعادة تشكيل لجان الاتحاد أصبح أمراً ضرورياً في ظل المرحلة التي تعيشها الكرة السعودية ومواكبتها للكرة العالمية.. حيث أثبتت هذه اللجان عدم قدرتها على مواكبة هذا التطور وهذه النقلة.. إما لعدم الكفاءة أو عدم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة، وجاء تكليف الأمير نواف من الأمير سلطان ومن مجلس إدارة الاتحاد باعتباره ــ كما أشرت قبل قليل ــ "الرجل التنفيذي" الكفء والمؤهل لذلك.. لقربه من الوضع.. وجرأته في القرار.
كأس فيصل :
أعتقد أن إقرار مسابقة كأس الأمير فيصل لسن 21 سنة من أهم القرارات.. وأكثرها جرأة وشجاعة.
فهذه الفئة العمرية ضائعة أو في (منزلة بين المنزلتين) إن جاز التعبير.. فهي ليست تحت 19 سنة فتشارك في هذا الدوري وليست أكبر من ذلك فتجد لها موقعا في دوري المحترفين. أو (الكبار سنا).. لذلك تنتهي كثير من المواهب الكروية في هذه المرحلة.. وجاء إقرار هذه المسابقة..لإعطائها الفرصة لتنمية مواهبها.. والمحافظة عليها لتكون رافدا لفرق الكبار في أنديتها على المدى الطويل.
وكان لابد من اتخاذ قرار حول هذه المسابقة.. يتناسب مع إقرار زيادة عدد أندية دوري المحترفين.. ومبارياته.. فجاء اعتمادها بهذه الصورة ليؤكد سلامة النهج وبعد النظر لدى الاتحاد.
30 لاعبا :
تحديد السقف الأعلى لعدد اللاعبين المحترفين المسجلين في كل ناد بـ 30 لاعبا يعتبر من أهم القرارات، ذلك أن انعكاس هذا القرار وإيجابياته ستعود بالنفع على اللاعب نفسه وعلى الأندية الأخرى.. وبالتالي مصلحة الكرة السعودية.
فإلزام الأندية بهذا العدد سيجبرها على الاستغناء عن عدد من لاعبيها إما بالتنسيق أو الإعارة لأندية أخرى وبعض من هؤلاء اللاعبين وربما أكثرهم خاصة المنتمين إلى أندية ذات مستوى متطور ومتقدم في سلم الدوري هم من المؤهلين وذوي المستويات الجيدة وبقاؤهم في أنديتهم دون الاستفادة منهم فيه تأثير سلبي على مستوياتهم وبالتالي فإن تحولهم إلى أندية أخرى من شأنه أن يسهم في الحفاظ على مستواهم وربما رفعه.. وكذلك المساهمة في رفع مستوى الأندية الأخرى خاصة ذات المستوى أو الدرجة الأقل أو الصاعدة حديثا.. مما ينعكس بدوره على أداء هذه الأندية.. وبالتالي على المستوى العام للكرة السعودية.
الحكام.. والتصريحات :
والحديث هنا ليس عن كفاءة الحكام وعددهم.. فهذا سيأتي الحديث بِشأنه.. وإنما عما يتعرض له هؤلاء الحكام من نقد يتجاوز حدود التعامل العقلاني والخطوط الحمراء.. حيث أكد أحد القرارات على التصدي لمثل هذه التصريحات والوقوف أمامها بحزم.
هذا التحدي في نظري هو من أكبر التحديات التي تواجه اتحاد القدم في الموسم القادم..
لقد سمعنا كثيرا عن معاقبة هؤلاء.. وعن دعوتهم لالتزام الروح الرياضية.. وعن مواثيق شرف.. لكن أيا من ذلك لم يجد نفعا.. أو يساهم في تقليلها.
وأعتقد أن ربط عقوبات هؤلاء وفرض الغرامات عليهم بالأندية المنتمين إليها من شأنه أن يقلل منها.. وربما غيابها.
إن مطلقي مثل هذه التصاريح والتهجم على الحكام أو بعض الشخصيات الاعتبارية في اتحاد القدم ولجانه.. أو على بعض المنتمين لأندية أخرى.. الخ.. هم أحد فئتين :
إما: أنهم ينتمون بصورة مباشرة لأنديتهم كإداريين أو عاملين.. أو منتسبين.
ــ أو منتمين بصورة غير مباشرة.. مثل أعضاء شرف غير رسميين أو غير ملتزمين بسداد رسوم العضوية مما يفقدهم أهليتهم.. أو محسوبين على النادي بطريقة.. أو بأخرى.
في الأولى..
لا يستطيع النادي إنكار انتمائهم.. وبالتالي فإن إلزامه بدفع الغرامة المترتبة على ذلك من شأنه أن يجبر النادي على منعهم من ذلك مستقبلا.. أو تحمل ما يترتب على ذلك من تبعات..
أما الثانية :
فإن النادي ملزم بدفع ما يترتب على هذه التصريحات من غرامات.. أو إصدار بيان رسمي ينفي من خلاله انتماء ذلك العضو إليه (ساقط العضوية).. وأنه لا يمثله بأي حال من الأحوال.. ولا يكتفي بكون رأيه رأيا شخصيا لا يمثل النادي.. وإنما لابد من التأكيد على انه كشخصية لا تنتمي إلى النادي , وبالتالي يتحمل هذا الشخص ما يترتب على تصاريحه من مسئوليات أمام الجهات المختصة أو المسؤولة.
وهذا من شأنه أن يجبر مثل هذا العضو على الكف عن مثل هذه الآراء.. لأنه لا يريد أن يظهر أمام الجمهور بأنه غير منتم للنادي.. ولا يمثله.. كما أنه لا يريد أن يتحمل تبعات ذلك أمام جهات رسمية ومسئوله.
هذا ما يتعلق ببعض قرارات اتحاد كرة القدم لكن ماذا عن أكثر القرارات أهمية ولفتا للانتباه وهو المتعلق بزيادة عدد الأندية..؟!
هذا القرار كان البعض ينظر له من زاوية عاطفية خصوصا ما يتعلق بدوري المحترفين سواء كان مع أو ضد القرار.. لكنهم قله هم أولئك الذين نظروا إلى ما يترتب عليه مثل هذا القرار، وما هو الثمن الذي سيدفعه الجميع مقابل ذلك!
لا شك أن زيادة عدد الأندية في الدوري هو من مصلحة الكرة السعودية.. والذين كانوا يتحفظون على الزيادة لم يكن اعتراضا عليها بقدر ما هو ربط ذلك بآلية تنفيذ تضمن تحقيق الهدف من ورائها., وهو ما أقدم عليه اتحاد كرة القدم فيما يتعلق بكأس الأمير فيصل.
على أن ما هو أكثر أهمية.. ما يترتب على هذه الزيادة!!
نظريا:
سوف تزيد عدد مباريات دوري زين من 132 إلى 182 مباراة (50 مباراة) أي بنسبة تقارب 40% وأسابيع الدوري (عدد الجولات) من 22 إلى 26 أسبوعا (4 أسابيع) أي بنسبة تقارب 20%.
ومن الناحية العملية :
فإن هذه الزيادة تتطلب المزيد من الكوادر الفنية المؤهلة.. والإمكانات المالية.. لتنفيذ ذلك مثل مكافآت الحكام والعاملين في المباريات من قبل (الاتحاد ).. وتذاكر إركاب اللاعبين وغيرهم (رعاية الشباب) وتكاليف المعسكرات وتأهيل وعلاج اللاعبين وإعدادهم من قبل (الأندية ).. الخ..!
على أن أبرز التحديات التي ستواجه الموسم القادم وأكثرها أهمية تكمن في ناحيتين هما التحكيم , والشركات الراعية.
التحكيم :
لا نتجاوز الحقيقة أو نذيع سرا إذا قلنا إننا نعاني من التحكيم (كما وكيفا) , وهو ما أثبتته المواسم الماضية ويأتي زيادة عدد المباريات ليزيد من حجم المعاناة ويضاعف المسئولية.., كما أن قرار الاتحاد بتخفيض عدد المباريات التي يديرها حكام أجانب من 5 إلى 4 بمعني تخفيض عددهم في الدوري يضيف عبئا جديدا على التحكيم.
ومن هنا.. فإن التحدي الأكبر الذي يواجهه اتحاد كرة القدم هو في إعداد وكوادر تحكيمية مؤهلة.. وتوسيع قاعدة الحكام بما يتناسب مع المرحلة القادمة..
إن نجاح التحكيم مرهون بالبرامج المعدة لتأهيل هؤلاء الحكام.. وحما يتهم أيضا.. من خلال خلق الجو المناسب الذي يساعدهم على النجاح.
الشركات الراعية :
وهذه تشمل الشركات الراعية لبرامج الاتحاد وللأندية.. مثل النقل التلفزيوني.. دوري المحترفين والأندية..
إن زيادة عدد فرق الدوري.. ومبارياته من شأنه أن يساهم في توسيع قاعدة التسويق والانتشار لهذه الشركات.. والوصول إلى قاعدة أكبر من المتلقين أو الجمهور المستهدف.. مما يعني تحقيقها فوائد أكثر.. دون تحمل تبعات مالية تتناسب وهذه العوائد.. ومن هنا يتطلب الأمر إعادة النظر في هذه العقود بما يتناسب والمرحلة القادمة.. على الأقل بصفة تساهم في تخفيف الأعباء على الأندية.. والاتحاد.
على أن ما هو أكثر أهمية.. أن هذه القرارات قد لا تتحقق أهدافها.. وما سعى إليه الاتحاد من وراء إصدارها.. وتحمل تبعاتها.. ما لم يواكب ذلك تعاون من جميع المنتمين للوسط الرياضي.. سواء كأندية.. أو إعلام.. أو جماهير مع اتحاد كرة القدم ولجانه وممثليه.. وهذا الذي نرجوه.. ونأمله بإذن الله.
والله من وراء القصد.[/size]