تذكر إن الموت قادم
الحمد لله المبدأ المعيد ، الفعال لما يريد ، خلق الخلق فمنهم شقي وسعيد .
وأرسل رسوله بالتأييد ، ووعد من أطاعهم بالمزيد ، وتوعد من خالف أمرهم بالعقاب الشديد .
احمده على ما قدره وقضاه ، وأصلي وأسلم على محمد بن عبدالله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه وسلم تسليماً كثيراً الى يوم نلقاه . أما بعد
يقول سبحانه وتعالى : كل نفس ذائقت الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة
ويقول سبحانه : كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام
ويقول : ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) يعني الموت .
قيل للحسن : يا أبا سعيد ، كيف نصنع ؟ ( نجالس أقواماً يخوفونا ، حتى تكاد قلوبنا تطير )
فقال : والله إنك إن تخالط أقواماً يخوفونك حتى يدركك أمن ، خير من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى يدركك الخوف .
أيه الأخوة :
الموت قادم وخطره عظيم،ولكن الناس غفل عنه،وذلك لقلة حديثهم فيه وذكرهم له،مع أن النبي : قال (( أكثر من ذكر الموت فإنه يمحص الذنوب ، ويزهد في الدنيا )) .
يا ساهياً يا غافلاً عما يراد له حان الرحيل فما أعددت من زاد
تظن أنك تبقى سرمـداً أبـداً هيهات أنت غداً فيمن غدا غادي
أيها الناس :
اعملوا على مهل،وكونوا من الله على وجل،ولا تغتروا بالأمل،وتنسوا في زحمة الدنيا الأجل،لا تركنوا للدنيا فإنها غدارة،قد تزخرفت لكم بغرورها،وفتنتكم بأمانيها،وتزينت لخطابها،بكل زينة باهرة،فأصبحت العيون لها ناظرة،والقلوب عليها عاكفة،والنفوس لها عاشقة.
فكم من عاشق لها قتلت،ومطمئن لها خذلت،أنظروا بعين الحقيقة إليها،فهي دار قد ذمها خالقها،جديدها يبلى،وملكها يفنى،وعزيزها يذل،وكثيرها يقل،ودها يموت،
وخيرها يفوت،فاستيقظوا رحمكم الله من غفلتكم،وانتبهوا من رقدتكم،قبل أن يقال:فلان عليل،فهل إلى طبيب من سبيل؟ فيدعى لك الأطباء،ويرجى لك الشفاء .
ثم يا نادي مناديٍ:فلان قد ثقل لسانه،فما يكلم إخوانه،ولا يعرف جيرانه .
فلان هذا أخوك أحمد،فلان هذا ابنك محمد،هذه زوجتك فلانة،وهذه ابنتك حيرانة .
قد بلغت روحك الحلقوم،وأهلك حولك ينظرون،وحق فيك قوله :
فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حين إذن تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن يبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها أن كنتم صادقين شخصت منك العينان،وبردت اليدان،والتفت الساقان،وأصبح بصرك حديد،وجاءك ما كنت منه تحيد .
فتقكر يا مغرور في تلك اللحظات،وهل لأجلها العبرات،علَ الله أن يهون عليك السكرات ، وتظهر على وجهك عند الموت البشارات ، ويغبطك على ما أنت فيه الغابطون،وتضحك حينما الناس عليك يبكون .
ولدتك أمك يا ابن آدم باكيـاً والناس حولك يضحكون سروراً
فاعمل ليومٍ أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مســـروراً
فاوالله لو لم يكن بين يديك يا مسكين كرب ولا هول ولا عذاب،سوى السكرات،لكفى بها منغصة،ولصفوك مكدرة ، كيف وأنت تعلم،أن ورائك القبر وظلمته،والصراط ودقته،والحساب وشدته،
أشدد حيازمك للموت فإن الموت آتيك
ولا تجـزعن من الموت إذا حـل بواديك
دخل ملك الموت على داوود فقال من أنت ؟ قال:أن من لا يهاب الملوك،ولا تمنع منه القصور،ولا يقبل الرشا، فقال داوود أنت ملك الموت إذاً،قال نعم،قال داوود:أتيتني ولم أستعد بعد،قال ملك الموت:يا داوود:أين قريبك فلان أين جارك فلان؟ قال:مات،قال ملك الموت:أما كان لك في هؤلاء عبرة فتستعد؟
فنحن نودع الآباء والأبناء،ونرى كيف يوسدون الثرى،ولكن لا نتفكر فيما نحن عليه مقبلون .
فتفكر يا مغرور في الموت وسكرته ، وصعوبة كأسه ومرارته ، فيا للموت من وعد ما أصدقه ، ومن حاكم ما أعدله .
كفى بالموت مقرحاً للقلوب ، ومبكياً للعيون ، ومفرقاً للجماعات ، وهادماً للذات .
فماذا أعددنا لهذا اليوم ولتلك اللحظات،ها نحن ينادى علينا كل يوم،الرحيل،الرحيل،فهل نحن مستعدون، وللرحيل جاهزون،فرحم الله من قام وأطاع،واستعد للرحيل من هذه البقاع .
هل تفكرت يا ابن آدم في مصرعك،وانتقالك من موضعك،إذا نقلت من سعت إلى ضيق،وهجرك الصاحب والرفيق ، وتركك الأخ والصديق،وأخذت من فراشك وغطائك إلى عرر،وغطوك بعد لين لحافك بتراب وقذر .
فيا جامع المال والمجتهد في البنيان،ليس لك والله من مالٍ إلا الأكفان،بل هي والله للخراب والذهاب،فأين الذي جمعته من المال،هل أنقذك من الأهوال .
أنظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الحنط والكفن
وأنظر إلى هذه الصورة التي لا بد لكل واحد منا وأن تمر عليه والتي صورها زين العابين:علي بن الحسن بن علي ابن أبي طالب وهو يقول :
كأننــي بـين تلك الأهــل منطرحــــاً على الفـراش وأيديــــهم تقلبـــــني
وقــد أتوا بطبيب كـي يعالجـــــــني ولـم أر الطب هــذا اليوم ينفعـــني
وأشتــد نزعي وصـار الموت يجذبــها من كل عــرق بـلا رفق ولا هـــــون
واستخــرج الـروح مني في تغرغــرهــا وصــار ريقي مراً حين غرغرنــــــي
وغمضونــي وراح الكـل وانصــــــرفوا بعـد الإياس وجدوا في شرا الكفــني
وقـام من كان أولى الناس فـي عجـــلٍ إلـــى المغســـل يأتيني يغسلـــــني
وقال يا قـوم نبغي غاســـلاً حذقـــــاً حـــراً أديباً أريبــاً عارفــاً فطـــني
فجاءنــي رجـل منهم فجردنـــــــــي من الثياب وأعــراني وافردنــــــــي
وأطرحونــي على الألـواح منفـــــــرداً وصار فوق خريــــر الماء ينظفـــــني
وأكسب الماء من فوقــي وغسلـــــــني غسـلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفـــــني
وألبسونــي ثيابـــاً لا كمـــام لــــــها وصار زادي حنوطـي حين حنطـــني
وقدمـونـــي إلى المحراب وانصـــرفـوا خلف الإمــــام فصلى ثم ودعـــــني
صلــوا علي صــلاةً لا ركوع لــــــــها ولا ســـــجود لعل الله يرحمــــــني
وأنزلونـــي في قــــبري على مهـــــلٍ وأنزلـــوا واحــــداً منهم يلحدونـــي
وكشف الثوب عن وجهــي لينظرنـــي وأسبل الدمــع من عينيه أغرقــــني
فقــام محــترماً بالعــزم مشتمــــــــلاً وصفف اللـبن من فوقــي وفارقــني
وقال هلــوا عليــه الترب واغتنمـــــوا حسن الثواب من الرحمن ذي المــنن
فـي ظلمـــة القــبر لا أم هـــــناك ولا أب شفـــيق ولا أخ يؤنســــــــــني
وأودعونــي ولجــوا في سـؤال لهمـــوا مالـي سواك إلهــي من يخلصـــــني
وهالنـي صــورة في العـــين إذ نظـرت من هـول مطلع ما قـد كان أدهشــني
من منكــر ونكـــير ما أقـول لــــــهم إذ هالــني منهم ما كان أفزعـــــــني
فامــنن علــي بعفو منك يا أملـــــــي فإنــني مــوثق بالذنب مرتـــــــــهن
تقاســم الأهل مالـي بعدما انصــــرفوا وصـار وزري علي ظــهري فأثقلــــني
فــــلا تغــرنك الدنيــــا وزينتـــــها وأنظـر إلى فعلهـا فـي الأهـل والــوطن
وأنظـر إلى من حوى الدنيا بأجمعهـــا هل راح منهـــا بغــير الحنط والكــفن
خـذ القناعة من دنياك وأرض بـــــها لو لـــم يكن لك إلا راحـــة الـــــبدن
يقول :
(( أكيس الناس أكثرهم ذكراً للموت،وأشدهم إستعداداً له،أولئك هم الأكياس،ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة )) .
قال لعبد الله بن عمر
( إذا أصبحت فلا تنتظر المساء،وإذا أمسيت ، فلا تنتظر الصباح،وخذ من حياتك لموتك ومن صحتك لسقمك ))
اللهم اجعلنا للموت ذاكرين ، وبمن مضوا معتبرين ، وإلى جناتك سابقين ، ولحوض نبينا من الشاربين ، وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الإثنين 13 يونيو 2011 - 0:54 من طرف 
